بعد أكثر من ثلاثة عقود من وفاة عاصي الرحباني، تبقى بصمة الأخوين رحباني وأعمالهما حاضرة، وبقوّة على الإذاعات وفي الوعي اللبناني والعربي.
الثنائي اللبناني المبدع قدم آلاف الأغنيات، غنت أكثرها وأنجحها فيروز (كما غنى من أعمالهما فنانون آخرون مثل وديع الصافي ونصري شمس الدين وملحم بركات وصباح).
ولعل أبرز ما تركه الأخوين رحباني كان مسرحياتهما الغنائية التي تميزت بقصص ذات أبعاد إنسانية وسياسية عميقة.
اختبار: هل تستطيع أن تسمّي أغاني نصري شمس الدين من هذه الجُمل المأخوذة منها؟
مسرحيات الأخوين رحباني، التي شاركهما في أكثرها فيلمون وهبي تلحيناً وتمثيلاً، نجحت بأن تبقى وتخلّد في التاريخ، لاحتوائها على قيمة فنية وثقافية تُشعر المستمع بأنها تحاكي واقعها اليوم.
في ذكرى وفاة عاصي الرحباني، نقدم في Lebanese Media Review تحيّة إلى روحه وإلى أعمال الأخوين رحباني من خلال إطلاع قرائنا على سبع حوارات من تأليفهما تحاكي واقع العالم اليوم.
1. قصة “راجح” والكذبة “الضرورية” لبقاء الأنظمة
يوظّف المختار الحاكم في إحدى القرى خوف الأهالي لتصوير نفسه كفارس بطل منقذ لهم في مسرحية “بياع الخواتم” (1964).
يخترع المختار شخص وهمي إسمه “راجح”، ويتعهّد بأن يحمي الأهالي منه قبل أن يعترف لبنت أخته “ريما” (فيروز” بحقيقة الأمر.
وقصة “راجح” تلقي الضوء على أسلوب التخويف واختراع عدو وهمي التي تتّبعها أنظمة الحكم للتحكّم بعقول الشعوب وعواطفها من خلال سردية يحيكها الحاكم لإظهار بصورة المنقذ.
2. قصة “البيّاعة” والظلم اللاحق بالفقراء
في هذا المشهد من مسرحية “الشخص” (1968)، يغيّر رجال الشرطة أقوال “بيّاعة البندورة” في تصوير لإستقواء الدولة على الفقراء.
فهذه البيّاعة لم تفعل شيئاً سوى أنها غنت في وسط الساحة عند استقبال الدولة لـ “الشخص” (وهو شخص عالي الشأن)، إلا أنها حوكِمت بمصادرة عربيتها ومنع البيع في الساحة.
وتصوّر مسرحية “الشخص” معاناة الطبقة العاملة والباعة المتجوّلين والظلم اللاحق بهم لفقرهم وضعفهم بإتقان وإبداع.
3. “شاكر الكندرجي” والتاجر المُحتال
يتأخر تاجر الأحذية “الغشاش” شاكر (إيلي شويري) لتصليح حذاء “قرنفل” (فيروز) ثلاثة أشهر فيما ينتهي من تصليح حذاء زوجة المستشار زيدون بأسبوع واحد، لأن “قرنفل” “مش دفّيعة”.
وفي سياق قصة مسرحية “صح النوم” (1971)، التي تدور حول فساد حاكم وسوء إدارته لشؤون الدولة، يأتي هذا المشهد ليظهر تسرّب الفساد من الحكّام إلى التجّار الذين يحظون بمعاملة خاصة، واستقواء الفريقين على الناس.
4. “يعيش يعيش” وتزلّف الناس للحاكم
مع تغيّر الحكم، يستقبل الناس الحكم الجديد، مثلما يستقبلون كل حكم جديد في دولة الانقلابات: بالتصفيق والغناء.
الأهالي يرحبون بالوفد، بما فيهم الوزراء والنواب و”جماعة الإنقلاب” والدورية والشويش.
أغنية فيروز في آخر مشاهد مسرحية “يعيش يعيش” (1970) يفصح بشكل واضح وصريح عما قصد الأخوين رحباني قوله في هذه المسرحية، حيث تغني:
“طلع المنادي ينادي… مافيهاش إفادة
الرعيان بوادي… والقطعان بوادي”
5. حوار قرنفل والمستشار زيدون وسوء إدارة الدولة
يتغنّى الشعب بالمستشار زيدون والوالي، الذي يلمّع صورة الوالي بالقول إنّ حتى نومه الطويل هو “لمصلحة الأهالي”.
وعندما تدخل “قرنفل” طالبةً توقيع معاملتها التي قدّمتها منذ 6 أشهر لتحل مسألة سطح بيتها الذي هبط في الشتاء السابق، يقف الناس في صف الوالي، طالبين منها أن “تخفض صوتها” كي لا تزعج الوالي الغارق في النوم.
يصادر المستشار شمسية “قرنفل” التي تحميها من المطر بدلاً من سطح البيت – فالدولة الفاسدة لا تحل مشاكل مواطنيها ولا تقبل أن يحلّوها بأنفسهم.
ولكن في النهاية، يردّ المستشار شمسية “قرنفل” لها فقط لأنها حلفت بالوالي – فالمستشار، أيضاً، مُرتهن للنظام الفاسد ومجرد خادم للوالي.
6. مشهد “المحكمة” وشهود الزور
يقدّم شهود على “جريمة” البيّاعة المظلومة مسرحية “الشخص” شهادة موحّدة، مؤكّدين أنهم “حافظينها” في مشهد يظهر استقواء المواطنين على الأضعف بينهم.
هو أحد أروَع مشاهد الحوار الغنائي في مسرحيات الأخوين رحباني، حيث تحكم المحكمة على البياعة المتهمة بمصادرة عربيتها ومنع البيع في الساحات.
الشهود ينهون المشهد بالاحتفال بالحكم الجائر، فيصرخون “يحيى العدل”.
7. “منكمّل باللي بقيوا” وإصرار الشعوب المقموعة على تحقيق آمالها
جملة “ما فيه حبوس تساع كل الناس” التي تقولها فيروز هنا تلخّص الموضوع: لا تسطيع أي سلطة بأن تقمع كل شعبها وتدخله فرداً فرداً إلى السجون.
هذه الأغنية، المأخوذة من مسرحية “جبال الصوان” (1969)، تهدف للقول إنّ أي قضية حق تستمر ما زال هناك مَن بين شعوب الأرض يؤمن بها