يخطئ مَن يتصوّر أنّ الترويج لـ “صفقة القرن” بدأ مع صدور الإشارات الأولى لتطبيع العلاقات بين دول عربية ودولة الاحتلال أو مع الإعلان عن انعقاد “مؤتمر البحرين”.
في الواقع، “الحملة الدعائية” لصفقة القرن في الإعلام العربي بدأت منذ سنوات.
فالمعركة الحقيقية الجارية منذ سنوات تقوم على إعادة تشكيل وعي الرأي العام العربي، مع استبعاد القضية الفلسطينية عن العناوين الإخبارية الأولى، ومحاولة تبديل عداء الشعوب العربية لدولة الاحتلال بأعداء جُدد، تحت عنوان الحرب “السنية-الشيعية”.
الحديث عن حرب طائفية يُساهم، بالطبع، بتفتيت الفكر العربي الجامع، والحدّ من فخر الشعوب بانتمائها لوطن عربي واحد، فتشعر بالدونية وتضعف عزيمتها ويذهب شعب كل بلد عربي إلى التفكير بمنطق “وطني” ضيّق، لا يأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة العابرة للحدود، ويرى في القضية الفلسطينية عبءاً إضافياً على بلده.
ويعمل هذا الإعلام بالتوازي مع إلهاء الشعوب العربية بأنماط الحياة الإستهلاكية المُعولمة، ونقل برامج تلفزيونية وأعمال فنية لا تذكر هموم الشعوب ومتاعبها بحجة أن “الفن للتسلية” (أو يتم تسطيح القضايا فيها مثلما يحصل عندما تُذكر فلسطين ويُرفع علمها في برامج المواهب دعماً لمغنٍ).
فما هي المفاتيح الأساسية التي يستخدمها الإعلام الداعم لصفقة القرن كي ينقل أفكاره إلى المشاهدين؟ وما هي أدوات معركة الرأي العام التي يوظّفها الإعلاميين الداعمين لصفقة القرن؟
نلقي الضوء في Lebanese Media Review على حلقة نديم قطيش “مؤتمر البحرين” لتحليل أدوات البروباغندا المُستخدمة.
1. تعديل المصطلحات
طالما الصراع في فلسطين المحتلة هو بين أصحاب الأرض والمحتل الإسرائيلي، فمن المنطقي أن تشير إلى هذا الصراع بـ “حق الفلسطينيين بالعودة”، أو “الحق الفلسطيني” أو “حق العودة”.
وفي أسوأ الحالات، بإمكان الإعلام العربي أن يشير إليه بـ “الصراع العربي-الإسرائيلي”، نظراً لاعتراف العرب، عبر تقديمهم مبادرة سلام تدعو إلى “حل البلدين”، بوجود طرفيْ نزاع – هُما العرب والإسرائيليين.
ولكن، قطيش يصف الصراع، عن قصد، بـ “الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي”.
هذه التسمية تحصر النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمصطلح يُظهر اعتبار الفريق الداعم لصفقة القرن بأنّ المشكلة “ليست مشكلة العرب”.
ويستخدم قطيش المنطق نفسه عندما يقول ما معناه إنّ السعودية لن تفرض أي شيء على الفلسطينيين، لأنهم هُم (وحدهم) أصحاب القضية.
إذاً، يحاول الإعلام الناطق بلسان البلدان الداعمة للصفقة خلق مصطلحات تعزل العرب غير الفلسطينيين عن القضية وتصوّر القضية الفلسطينية على أنها نزاع بين طرفين.
الرسالة: دعوة كل شعب عربي إلى التركيز على مشاكل بلده، وترك القضية الفلسطينية للفلسطينيين، ووضع الدول العربية في صف الولايات المتحدة كـ “وسيط” في عملية السلام.
نفاق؟ أسامة سعد: كيف تكون ضد المقاومة وضد صفقة القرن في الوقت نفسه؟
2. لغة الحق “لغة قديمة”
يقول قطيش إنّ المرحلة الجديدة تحتاج إلى لغة جديدة، ساخراً من المٌتسّمكين بحق الفلسطينيين بأرضهم.
ويتعجّب قطيش من اعتبار أحد المحلّلين أنّ المنطقة مُنقسمة إلى قسمين: محور المقاومة ومحور العار، معتبراً إنّ هذه اللغة “قديمة”.
الرسالة: يصوّر قطيش الدفاع عن حق الفلسطينيين وانتقاد المتخلّين عن فلسطين على أنه “موضة قديمة”. فإذا أردت أن تكون مجدّداً، متطوّراً… إلخ. فعليك أن “تغيّر لهجتك”، وتبتعد عن اعتبار حق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم من المسلّمات.
إشتباك: النصّ الكامل لسجالات راغدة درغام وحسام مطر في “عشرين 30”
3. التحبيط
يردّ قطيش على إشارة محلّل سياسي إلى المظاهرات الحاشدة الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية في مدن عربية، بالتساؤل: “أين المظاهرات الحاشدة؟”
يضحك قطيش للتقليل من قيمة اعتراض الشعوب على قرارات حكّامهم التي لا تمثل قناعتهم الراسخة بعدالة قضية الفلسطينيين.
الرسالة: يريد الإعلام الداعم لصفقة القرن أن يُحبط الشعوب المتمسّكة بالقضية الفلسطينية ويُهبط من عزيمتهم ويقنعهم بأنّ تحرّكاتهم لن تجدي نفعاً، ولذلك فعليهم أن يرضوا بالواقع المفروض عليهم من حكوماتهم المُتخاذلة.
قراءة ما بين السطور: نديم قطيش في “الحدث”: ما قاله وما قصده
4. تشويه صورة الشخصيات الرافضة للتطبيع
من المعلوم أنّ تشويه صورة الداعمين لفكرة معيّنة يساهم في تشويه الفكرة بحد ذاتها.
وإنطلاقاً من هذا المبدأ، يعمل الإعلام الداعم للصفقة المشؤومة على تشويه صورة أي شخص داعم لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والتشكيك بمصداقيته ودوافعه.
لذلك، عمد قطيش بأن يذكّر المشاهدين بأنّ عبد الباري عطوان مقيم في لندن، رداً على قول الأخير إنه لا يريد بأن تتحوّل غزة إلى هونغ كونغ.
يوحي قطيش بأنّ عطوان ليس معنياً بغزة، وتحويلها إلى هانوي (التي هزمت جيش الولايات المتحدة) لن يمسّ به مباشرةً، ما يعطي إنطباعاً بأنّ عطوان يتاجر بالقضية.
الرسالة: يحاول قطيش أن يكسر هالة أشخاص صادقين بدعمهم لمقاومة الاحتلال كي يصوّر أنّ داعمي المقاومة غير صادقين، ما يوحي أنّ المشروع المقاوم للصفقة غير صادق.
شاهد: جبران باسيل يستشهد بجدار دونالد ترامب
5. الترغيب
في رده على اختيار عطوان لنموذج هانوي المُقاوم بدلاً من نموذج هونغ كونغ التجاري، ذكر قطيش تاريخ هانوي الحديث وحجم التبادل التجاري بين فيتنام والولايات المتحدة.
ويهدف التركيز على الجانب التجاري من علاقة فيتنام والولايات المتحدة إلى تسويق الجانب الاقتصادي من الصفقة.
الرسالة: بدلاً من مقاطعة الاحتلال ومقاومته حتى استعادة حق الفلسطينيين، انفتحوا على دولة الاحتلال وسوقه واستثماراته.
بلا فلسطين بلا “وجع راس”، ألا تريدون أن تعيشوا في بحبوحة؟
ضعوا الخمسين مليار دولار في جيابكم، واهربوا!