لا مجال للشكّ: فكرة أغنية ناصيف زيتون “كل يوم بحبك” مُستنسَخة عن أغنية L-O-V-E لموسيقي الجاز الأميركي نات كينغ كول.
كاتب الأغنية الأميركية ميلت غابلر يفصّل أحرف كلمة LOVE، حرفاً حرفاً، ليفسّر الحب الذي يجمعه بحبيبته:
“L” is for the way you look at me
“O” is for the only one I see
“V” is very, very extraordinary
“E” is even more than anyone that you adore
في حين “يستوحي” (كي لا نقول كلمة أخرى) كاتب أغنية ناصيف زيتون، الأردني عمر ساري، من الأغنية الأصلية، المقطع التالي:
“الباء” بعشق عينيكي
و”الحاء” حياتي ليكي
و”الباء” بغار عليكي
و”الكاف” كل يوم بحبك
الأغنية تقوم على تلك الفكرة في حين “يرشّ” الكاتب عدداً من الكليشيهات الاعتيادية قبل هذا المقطع وبعده.
المقارنة بين الأغنيتين، من ناحية مستوى كلماتهما ولحنيْهما، لا تصحّ، لأنها مقارنة بين فكرة مميزة نُفذت بأسلوب مبدع وفكرة مقلدة بتنفيذ تجاري، يجعلها تشبه أي أغنية أخرى في “السوق”.
ولكن، ردود الفعل كانت مُدهشة على هذه الأغنية:
1. لم يعلّق أحد (على ما قرأنا حتى الآن) على موضوع استنساخ فكرة من أغنية عالمية. “النقّاد” أشادوا بالأغنية، الصحفيين والمشاهير هنّأوا المطرب، الذي يحتفل بصدورالأغنية من ضمن ألبوم يحمل الإسم نفسه.
ولكن هذا الصمت يعطي صورة واضحة عن وضع الثقافة وسوق الأغنية في بلداننا: الصحافة الفنية قابعة تحت رحمة الرأسمال – فهي تستفيد من تسويق أعمال شركات الإنتاج الضخمة.
2. المضحك في الموضوع أنّ كاتب الأغنية أختار إحدى أشهر الأغنيات المعروفة عالمياً لينسخها. لم يقبل على نفسه أن ينسخ فكرة أغنية مغمورة لم يسمع بها أحد خارج الولايات المتحدة.
لا، بل عمل على نسخ أغنية تتناقلها الأجيال منذ ستينات القرن الماضي لأحد أيقونات موسيقى الجاز .
شاهد: زكي ناصيف يغني “أهواك بلا أمل” لفيروز
أغنيات عربية: النسخ والتقليد vs الاقتباس
يقوم العديد من الفنانين العرب باقتباس ألحان أجنبية وإعادة توزيها موسيقياً واستبدال كلماتها الأصلية بكلمات عربية.
واقتباس الأعمال الأجنبية أمر مفيد يسمح للجمهور العربي بأن يتعرّف على أعمال مميّزة من إنتاجات شعوب أخرى.
كما أنّ تلك الأعمال تُثري المكتبة الموسيقية العربية، وتعطي الموزّعين الموسيقيين العرب فرصةً لإعادة قولبة موسيقى غربية أو لاتينية لتتناسب مع الذوق العربي، عبر استخدام آلات الموسيقى العربية وتطويعها.
وهذا ما فعله الموزّع المُبدع جان ماري رياشي في أغنية “بالعكس” (Perhaps) و”أنا بحبك” (Something Stupid) و “ألو دوللي” (Hello Dolly) في الألبومين “بالعكس” و “بالعكس 2”.
اختبر معلوماتك: أي من هذه الأغنيات من توزيع جان ماري رياشي؟
كما غنت فيروز، مثلاً، كلمات عربية على ألحان عالمية معروفة في أغنية “يا أنا” (“السمفونية 40” لموزار، كتب كلماتها الأخوان رحباني) و”بيذكّر بالخريف” (Autumn Leaves، من تلحين جوزيف كوسما، كتب كلماتها بالعربية وأعاد توزيعها أوركيسترالياً زياد الرحباني).
الأخوين رحباني: حوارات غنائية من أعمال تحاكي واقع العالم اليوم
أما أغنية ناصيف زيتون “كل يوم بحبك”، ففكرتها مبنية على فكرة أغنية عالمية شهيرة.
في مجال الإبداع، لا يُوجد نصّاً قانونياً صريحاً يُمعاقب على نسخ الأفكار وتقليدها، لأنه من الصعب تحديد مفهوم استنساخ الفكرة (مع العلم أنه في حالة هذه الأغنية، الأمر لا يقبل الشكّ).
بشكل عام، التقليد في المجالات الإبداعية موجود بكثرة، لصعوبة إيجاد أفكار جديدة.
وهذا ينطبق على مجال كتابة الأغنيات أكثر من غيره لأنّ المواضيع التي يسهل تسويقها – وبالتالي، تقبل شركات الإنتاج الفني تمويل تحويلها إلى أغنيات – محدودة جداً.
فإما تتحدّث الأغاني عن شخص يحبّ آخراً حباً “جنونياً”، أو عن شخص “مجروح” من خيانة مَن يحبّ لحبهما، أو عن شخص يبكي على حال الدنيا وقساوتها.
ودخلت مؤخراً فكرة جديدة إلى أذهان كاتبي الأغنيات تدعو الناس إلى “حُبّ الحياة”، كي “يعيشوا اللحظة” و”يتخطّوا الماضي” بعد انتشار “الفلسفة الإيجابية” وتسويقها عالمياً في كتب عن أساليب النجاح والسعادة ومفهوم “الطاقة الإيجابية”.
تنحسر الأفكار، إذاً، في سوق الأغنيات التجارية بعدد من المواضيع المُستهلكة.
وإذا كان على الفنان أن يصدر كل سنة أغانٍ عديدة، على قاعدة “الجمهور عايز كده” (مع تسويق يُجبر الجمهور على حفظ كلمات الأغنيات مهما كانت رديئة)، ويتعامل في تلك الأغاني مع كُتّاب وملحّنين وموزّعين يعملون على صناعة عشرات الأغاني في السنة، فما المُستغرب من أن ينسخ هؤلاء أفكار غيرهم؟
إنها “التجارة”.
“التاء” – تفادياً للنسخ والتقليد
“الجيم” – جيب فكرة جديدة
“الألف” – ألّف شي جديد
“الراء” – راسك حكّوا شوي
“التاء” – تَ ما تعود تنسخ أفكار
